فصل: الفصل الخامس والعشرون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل الخامس والعشرون:

يا من يعظه الدهر ولا يقبل، وينذره القهر بمن يرحل، ويضم العيب إلى الشيب وبئس ما يفعل، كن كيف شئت فإنما تجازى بما تعمل:
دعني فإن غريم العقل لازمني ** وذا زمانك فامرح فيه لازمني

ولّى الشباب بما أحببت من منح ** والشيب جاء بما أبغضت من محن

فما كرهت ثوى عندي وعنفني ** وما حرصت عليه حين عن فني

يا جايرًا، كلما قيل أقسط قسط، يا نازلًا، فسطاط الهوى، على شاطئ الشطط، يا ممهلًا لا مهملًا ما عند الموت غلط، كم سلب وضيعًا وشريفًا سلبًا عنيفًا وخبط، أما مضغ الأرواح؟ فلما طال المضغ استرط، أما يكفي نذيرهم؟ بلى قد خوف الفرط، تالله ما يبالي حمام الحمام أي حب لقط؟ أما خط الشيب خط النهي عن الخطآء لما وخط، أما آذن الشباب بالذهاب فماذا بعد الشمط؟
ما أن يطيب لذي الرعاية للأ ** يام لا لعب ولا لهو

إذ كان يطرب في مسرته ** فيموت من أجزائه جزو

يا مدعوًا إلى نجاته وهو يتوانى، ما هذا الفتور؟ والرحيل قد تدانى، يا مقبلًا على هفواته لا يألو بهتانًا، كأنك بالدمع يجري عند الموت تهتانًا، وشغل التلف قد أوقد من شعل الأسف نيرانا، وأنت تبكي تفريطك حتى لقد أقرحت أجفانا، والعمل الصالح ينادي من كان أجفانا، احذر زلل قدمك، وخف حلول ندمك، واغتنم وجودك قبل عدمك، واقبل نصحي ولا تخاطر بدمك.
إذا ما نهاك امرؤٌ ناصحٌ ** عن الفاحشات انزجر وانتهِ

وإما علوت إلى رتبة ** فكن حذرًا بعدها أن تهي

وإما ترى مهجة في الثرى ** فلا تغترر بالمنى أنت هي

خاصم نفسك عند حاكم عقلك لا عند قاضي هواك، فحاكم العقل يدين وقاضي الهوى يجور، كان أحد السلف إذا قهر نفسه بترك شهوة أقبل يهتز اهتزاز الرامي إذا قرطس، لما عرف القوم قدر الحياة، أماتوا فيها الهوى فعاشوا، انتبهوا بأكف الجد من الزمن ما نثره زمن البطالة.
وركب سروا والليل ملق رواقه ** على كل مغبر الطوالع قاتم

حدوا عزمات ضاقت الأرض بينها ** فصار سراهم في ظهور العزائم

تريهم نجوم الليل ما يبتغونه ** على عاتق الشعري وهام النعائم

إذا طردوا في معرك الجد قصفوا ** رماح العطايا في صدور المكارم

هان عليهم طول الطريق لعلمهم أين المقصد، وحلت لهم مرارات البلا حبًا لعواقب السلامة، فيا بشراهم يوم {هذا يومكم}.
قف بالديار فهذه آثارهم ** نبكي الأحبة حسرة وشوقا

كم قد وقفت بها أسائل مخبرًا ** عن أهلها أو صادقًا أو مشفقا

فأجابني داعي الهوى في رسمها ** فارقت من تهوى فعز الملتقى

يا ربوع الأحباب أين سكانك؟ يا مواطن الألباب أين قطانك؟ يا جواهر الآداب أين خزانك؟ للمهيار:
يطربني للمنازل اليوم ما ** أسأر عندي أيامُها القُدُمُ

وتطيبني على فصاحة شكواي ** إليها ربوعُها العُجُمُ

علي يا دار جهدُ عيني وما ** عليَّ عارٌ أن تبخل الدِّيَمُ

لك الرضا من جِمام أدمعها ** أو دمها إن سقى ثراك دمُ

أما وعهد الغادين عنكِ وأشـ ** ـجانٍ بواقٍ لي فيكِ بعدهُمُ

وما أطال المنى وأعرض من ** عيشٍ كأن اختلاسه حُلْمُ

هل هو إلا أن قيل جُن بهم ** نعم على كل حالة نَعَمُ

بتنا وأطواقنا يد ويد ** ورسل أشواقنا فم وفم

يا هذا تنزه في أخبار المحبين إن لم تكن منهم، إن أهل الكوفة يخرجون للتفرج على الحاج، اقعد على جانب وادي السحر لعل إبل القوم تمر بك.
خذي على قطن يمينا ** فعسى أريك به القطينا

مني تعلمت الحمام ** النوح والإبل الحنينا

وآسف المتقاعد عنهم، واحسرة البعيد منهم.
سلو عن فؤادي ساكني ذلك الوادي ** فقد مر مجتازًا على يمنة الوادي

مضى يطلب الأحباب والقوم قد سروا ** فضل ومروا مسرعين مع الحادي

فها أنا أبكيهم وأبكيه بعدهم ** وتطلبهم عيني مع الرائح الغادي

وا حاجتنا إلى رؤية القوم، ويا شدة إيثارهم البعد عنا، إن رأينا شخصًا فأعلمتنا الفراسة أنه منهم كانت همته الهرب منا، وما ذاك إلا للتباين بين أفعالنا وأعمالهم فلنبك على هذه الحال.
عجبت لما رأتني ** أندب الربع المحيلا

واقفًا في الدار أبكي ** لا أرى إلا الطلولا

كيف نبكي لأناس ** لا يملون الذميلا

كلما قلت اطمأنت ** دارهم صاحوا الرحيلا

كان بعض الصالحين يتستر بإظهار الجنون فتبعه مريد فقال له: والله ما أبرح حتى تكلمني بشيء ينفعني، فإني قد عرفت تسترك، فسجد وجعل يقول في سجوده: اللهم سترك، فمات.
أسميك سعدى في نسيبي تارة ** وآونة اسما وآونة لبنى

حذارًا من الواشين أن يسمعوا بنا ** وإلا فمن سعدى لديك ومن لبنا

.الفصل السادس والعشرون:

يا مخدوعًا قد فتن، يا مغرورًا قد غبن، من لك إذا سوى عليك اللبن؟ في بيت قط ما سكن، سلب الرفيق نذير والعاقل فطن.
أنت في دار شتات ** فتأهب لشتاتك

واجعل الدنيا كيومٍ ** صمته عن شهواتك

وليكن فطرك عند ** الله في يوم وفاتك

إياك والدنيا فإن حب الدنيا مبتوت، واقنع منها باليسير فما يعز القوت، يا قوت الندم يغني عن الياقوت، احذر منها فإنها أسحر من هاروت وماروت، ليس للماء في قبضة ممسك ثبوت {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} أين من جمع المال وملأ التخوت، تساوى تحت اللحود السادات والتحوت، ما نفعه إن جال في البأس جالوت ولا رد عنه إن طال القوم طالوت، ولا منع أصحابه حلول التابوت، لقد أخرج الموت من قعر اليم الحوت، قل للذين تديروا تدبروا، أين البيوت؟ جوزوا على الذين جوزوا، فقد وعظ الخفوت، كم مسئول عن عذره في قبره مبهوت، لقد أنطق الوعظ الصخور الصموت، أما يكفي زجرًا أنك تموت، بادر عمرًا في كل يوم يفوت، قل أنا تائب إلى كم سكوت؟ قد تعودت منك النفس في المجلس، النطق بالتوبة فهي تسخو بالكلام لعلمها أنه على غير أصل، ولو تيقنت صدق عزمك لتوقفت عن القول، هذا العصفور إذا كان على حائط فصحت به لم يبرح فإذا أهويت إلى الأرض كأنك تناول حجرًا يلمح يدك فارغة فلم ينفر، فإذا وضعت يدك على حجر رأى الجد ففر، يا هذا، قولك أنا تائب من غير عزم، نفخ في غير ضرم، بيض التراب لا يخرج منه فرخ.
أخواني، العمر أنفاس تسير بل تطير، الأمل منام لا ترى فيه إلا الأحلام، هذا سيف الموت قد دنا، فإن ضرب قدنا، هذا الرحيل ولا زاد عندنا، انتبهوا من رقاد الغفلة، تيقظوا من نوم العطلة، عرجوا عن طريق البطالة، ابعدوا عن ديار الوحشة، الفترة حيض الطباع، ووقوع العزيمة، رؤية النقا فحينئذٍ يتوجه الخطاب بالتوجه إلى محراب الجد.
أول منازل الآخرة القبر، فمن مات فقد حط رحل السفر، وسائر الورى سائر، من كان في سجن التقى فالموت يطلقه، ومن كان هائمًا في بوادي الهوى فالموت له حبس يوثقه، موت المتعبدين عتق لهم من استرقاق الكد ورفق بهم من تعب المجاهدة، وموت العصاة سباء يرقون به لطول العذاب، من كان واثقًا بالسلامة من جناية فرح يفك باب السجن، لما توعد فرعون السحرة بالصلب أنساهم أمل لقاء الحبيب مرارة الوعيد {إنّا إلى ربنا منقلبون} يا فرعون غاية ما تفعل أن تحرق الجسم، والركب قد سرى {لا ضير} من لاحت له منى، نسي تعب المدرج.
للمهيار:
متى رُفعت لها بالغور نار ** وقرّ بذي الأراك لها قرارُ

فكلُّ دمٍ أراق السير منها ** بحكم الشوق مطلولٌ جُبارُ

لا بد للمحبوب من اختبار المحب {ولنبلونكم} أسلم أبو جندل بن سهيل فقيده أبوه، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية خرج أبو جندل يرسف في قيده، فدخل في الصحابة، فقال سهيل: هذا أول من أقاضيك عليه، فاستغاث أبو جندل: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين، فيفتنوني عن ديني، فقال الرسول: لا بد من الوفاء فرد إليهم، فقدمه يسعى نحوهم وقلبه يجهز جيوش الحيل في الخلاص.
للمهيار:
أنذرتني أم سعدٍ أن سعدا ** دونها ينهد لي بالشر نَهْدا

وعلى ما صفحوا أو نقموا ** ما أرى لي منك يا ظبية بُدّا

لما أسلم مصعب بن عمير حبسه أهله، فأفلت إلى الحبشة، ثم قدم مكة، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إليه أمه، يا عاق أتدخل بلدًا أنا فيه ولا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرادت حبسه، فقال: والله لئن حبستني لأحرصن على قتل من يتعرض لي، فتركته.
وعاذلين لحوبي في مودتكم ** يا ليتهم وجدوا مثل الذي أجد

لما أطالوا عتابي فيك قلت لهم ** لا تفرطوا بعض هذا اللوم واقتصدوا

جمع حبس التعذيب بين بلال وعمار، مصادرين على بذل الدين فزوروا نطق عمار على خط قلبه، فلم يغرفوا التزوير، وأصر بلال على دعوى الإفلاس فسلموه إلى صبيانهم في حديدة يصهرونه في حر مكة، ويضعون على صدره وقت الرمضاء صخرة ولسان محبته يقول:
بعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ** وللشوق ما لم يبق مني وما بقى

وا عجبًا، إيلام ذو حس على عشق يوسف؟ قدم الطفيل بن عمر والدوسي مكة فقالت له قريش: لا تدن من محمد فإنا نخاف أن يفتنك، فسد أذنيه بقطنتين ثم تفكر، فقال: والله ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فانطلق فسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ** ولكن من يبصر جفونك يعشق

قطعت قريش لحم خبيب، ثم حملوه إلى الجذع ليصلب، فقالوا: أتحب أن محمدًا مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمدًا شيك بشوكة، ثم نادى وامحمداه.
إن في الأسر لصبا ** دمعه في الخد صب

هو بالروم مقيم ** وله بالشام قلب

لما بعث معاذ إلى اليمن، خرج الرسول يودعه، ودموع معاذ ترش طريق الوداع.
ولما تزايلنا من الجزع وانتأى ** مشرق ركب مصعد عن مغرب

تبينت أن لا دار من بعد عالج ** تسر وأن لا خلة بعد زينب

كانت الدنيا بمثلهم عسلًا فتعلقمت بمثلكم، خلت الديار من الأحباب فلما فرغت ردم الباب.
للنابغة:
وقفتُ فيها أصيلًا كي أسائلها ** أعيت جوابًا وما بالربع من أحدِ

أضحت قفارًا وأضحى أهلها احتملوا ** أخنى عليها الذي أخنى على لُبَدِ

حن ببعض أنديتهم ونادبها، وابك فقد الأحباب ونادبها.
للبحتري:
إذا جزت بالغور اليماني مغربا ** وحاذتك صحراء الشواجر يا سعد

فناد ديار العامرية باللوى ** سقت ربعك الأنواء ما فعلت هند